اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه.
الجواب الفائق في الرد على مبدل الحقائق
42732 مشاهدة
الصوفي هو من عرف أن التوجه إلى الله، والجواب عن ذلك

ثم قال الكاتب: (الصوفي) هو من عرف أن التوجه إلى الله والانقطاع إليه مما يُنيل القصد ويهيئ النفس للملكية.. إلخ.


أقول: قد ذكرنا أول الكلام تعريف الصوفية في أول الأمر، ثم ما آل إليه أمرهم، وما دخل عليهم من البدع، ثم من الطرق التي أوقعت الكثير منهم في الخروج عن الإسلام، كالحلول والاتحاد فأما التوجه إلى الله والانقطاع إليه فهو صفة شريفة عليّة، متى قصد منها الإقبال على العبادات والتفرغ لها، والإعراض عن كل ما يشغل عن الطاعة ويعوق عن مواصلة السير إلى الله.
وهذه طريقة أهل الزهد والعلم والعبادة من الصوفية السلفيين ومن غير الصوفية، ولم يزل في المسلمين قديما وحديثا خلق كثير وجمع غفير يشتغلون جل وقتهم بالعبادة القلبية الروحية، ويتوجهون إلى ربهم بقلوبهم، ويعلقون عليه آمالهم وينقطعون إليه وحده، ويعرضون عما سواه، ولا ينافي ذلك إعطاء النفوس حظها من راحة ولذة مباحة، من مأكل ومشرب ومنكح وملبس، وكذا الاشتغال بالكسب الحلال وجمع المال الذي تمس إليه الحاجة من وجوهه الجائزة، كما أمر الله بذلك في قوله: فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وكما في قوله تعالى: وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ .
وإذا كان الأنبياء والرسل يلتمسون الرزق ويطلبون المال من وجوهه، كما قال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ فكيف بأتباعهم ومن هو دونهم؟! فإن أراد الكاتب بالانقطاع إلى الله ترك الدنيا وما فيها، والزهد في المباحات والرهبنة، وترك كل الملذات ومشتهيات النفس التي تتقوى بها على الطاعات؛ فهذا الوصف والقصد غير صحيح، بل هو خلاف سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- وسائر الرسل وأتباعهم.
فأما قول الكاتب: ويهيئ النفس للملكية. فهو خطأ من القول، فإن أراد بالملكية الصعود بالنفس إلى مقام الملائكة، واتصافها بالروحية والنورانية، والاتصال بالملأ الأعلى ونحو ذلك؛ فلا يصح فإن نفس الإنسان لا تصل إلى صفات الملائكة التي من خصائصها العلو والخفة، والنور والمكاشفات والاستغناء عن الدنيا والانكفاف عن الشهوات ونحوها؛ فإن الله ركّب في طباع البشر من الشهوة، والالتذاذ بالمطعم والمشرب والميل إلى ذاك، والتألم بفقده ما لم يكن من صفات الملائكة.
أما إن أراد بالملكية التملك، وأن النفس تتهيأ لأنْ تملك شيئا من أمر الكون لو تدبره، أو تتصرف فيه تصرف المالك؛ فهذا أيضا لا يصح؛ فالنفس البشرية وسائر النفوس المخلوقة ليس لها من الأمر شيء، ولا تقدر على التصرف المستقل ولا الملكية التامة النافذة، بل إن المخلوق نفسه مملوك لربه، ولو ملك الدنيا بأسرها فملكه مؤقت وناقص، وهو وما بيده ملك لربه؛ فكيف يقال: إن انقطاع الصوفي ينيله القصد ويهيئ نفسه للملكية